الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
.تفسير الآية رقم (70): {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)}سبحان الله ما أعجب أمرهم. قد ألقوا حبالهم وعصيهم للكفر والجحود ثم ألقوا رؤوسهم بعد ساعة للشكر والسجود، فما أعظم الفرق بين الإلقاءين وروي: أنهم لم يرفعوا رؤوسهم حتى رأو الجنة والنار ورأوا ثواب أهلها.وعن عكرمة: لما خرّوا سجداً أراهم الله في سجودهم منازلهم التي يصيرون إليها في الجنة..تفسير الآية رقم (71): {قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71)}{لَكَبِيرُكُمُ} لعظيمكم، يريد: أنه أسحرهم وأعلاهم درجة في صناعتهم. أو لمعلمكم، من قول أهل مكة للمعلم: أمرني كبيري، وقال لي كبيري: كذا يريدون معلمهم وأستاذهم في القرآن وفي كل شيء. قرئ {فلأقطعنّ} {ولأصلبن} بالتخفيف والقطع من خلاف: أن تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى؛ لأنّ كل واحد من العضوين خالف الآخر، بأن هذا يد وذاك رجل، وهذا يمين وذاك شمال. و (من) لابتداء الغاية؛ لأن القطع مبتدأ وناشيء من مخالفة العضو العضو، لا من وفاقه إياه. ومحل الجار والمجرور النصب على الحال، أي: لأقطعنها مختلفات؛ لأنها إذا خالف بعضها بعضاً فقد اتصفت بالاختلاف. شبه تمكن المصلوب في الجذع بتمكن الشيء الموعى في وعائه، فلذلك قيل: {فِى جُذُوعِ النخل}. {أَيُّنَآ} يريد نفسه لعنه الله وموسى صلوات الله عليه بدليل قوله: {ءَامَنتُمْ لَهُ} واللام مع الإيمان في كتاب الله لغير الله تعالى، كقوله تعالى: {يُؤْمِنُ بالله وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 61] وفيه نفاجة باقتداره وقهره، وما ألفه وضرى به: من تعذيب الناس بأنواع العذاب. وتوضيع لموسى عليه السلام، واستضعاف له مع الهزء به؛ لأن موسى لم يكن قط من التعذيب في شيء..تفسير الآيات (72- 76): {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)}{والذى فَطَرَنَا} عطف على ما جاءنا أو قسم. قرئ {تَقْضِى هذه الحياوة الدنيآ} ووجهها أن الحياة في القراءة المشهورة منتصبة على الظرف، فاتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول به، كقولك في (صمت يوم الجمعة): (صيم يوم الجمعة) وروي: أن السحرة- يعني رؤوسهم- كانوا اثنين وسبعين: الاثنان من القبط، والسائر من بني إسرائيل، وكان فرعون أكرههم على تعلّم السحر.وروي: أنهم قالوا لفرعون: أرنا موسى نائماً ففعل، فوجدوه تحرسه عصاه، فقالوا: ما هذا بسحر الساحر؛ لأن الساحر إذا نام بطل سحره، فأبى إلا أن يعارضوه {تزكى} تطهر من أدناس الذنوب.وعن ابن عباس: قال لا إله إلا الله. قيل في هذه الآيات الثلاث: هي حكاية قولهم. وقيل: خبر من الله لا على وجه الحكاية..تفسير الآيات (77- 79): {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79)}{فاضرب لَهُمْ طَرِيقاً} فاجعل لهم، من قولهم: ضرب له في ماله سهما. وضرب اللبن: عمله. اليبس: مصدر وصف به. يقال: يبس يبساً ويبساً ونحوهما: العدم والعدم. ومن ثم وصف به المؤنث فقيل: شاتنا يبس،: وناقتنا يبس: إذا جف لبنها. وقرئ: {يبساً} و {يابساً} ولا يخلو اليبس من أن يكون مخففاً عن اليبس. أو صفة على فعلٍ. أو جمع يابس، كصاحب وصحب، وصف به الواحد تأكيداً، كقوله:جعله لفرط جوعه كجماعة جياع {لاَ تَخَافَآ} حال من الضمير في (فاضرب) وقرئ {لا تخف} على الجواب.وقرأ أبو حيوة {دَرْكاً} بالسكون. والدرك والدرك: اسمان من الإدراك، أي: لا يدركك فرعون وجنوده ولا يلحقونك. في {وَلاَ تخشى} إذا قرئ: {لا تخف} ثلاثة أوجه: أن يستأنف، كأنه قيل وأنت لا تخشى، أي: ومن شأنك أنك آمن لا تخشى، وأن لا تكون الألف المنقلبة عن الياء هي لام الفعل ولكن زائدة للإطلاق من أجل الفاصلة، كقوله: {فَأَضَلُّونَا السبيلا} [الأحزاب: 67]، {وَتَظُنُّونَ بالله الظنونا} [الأحزاب: 10] وأن يكون مثله قوله: {مَا غَشِيَهُمْ} من باب الاختصار. ومن جوامع الكلم التي تستقل مع قلتها بالمعاني الكثيرة، أي: غشيهم ما لا يعلم كنهه إلا الله. وقرئ: {فغشاهم من اليم ما غشاهم} والتغشية: التغطية. وفاعل غشاهم: إما الله سبحانه. أو ما غشاهم. أو فرعون؛ لأنه الذي ورّط جنوده وتسبب لهلاكهم. وقوله: {وَمَا هدى} تهكم به في قوله: {وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد} [غافر: 29]. .تفسير الآيات (80- 81): {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81)}{يابنى إسراءيل} خطاب لهم بعد إنجائهم من البحر وإهلاك آل فرعون، وقيل: هو للذين كانوا منهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم منّ الله عليهم بما فعل بآبائهم والوجه هو الأوّل، أي: قلنا يا بني إسرائيل، وحذف القول كثير في القرآن. وقرئ {أنجيتكم} إلى (رزقتكم)، وعلى لفظ الوعد والمواعدة. وقرئ {الأيمن} بالجر على الجوار، نحو (جحر ضب خرب). ذكرهم النعمة في نجاتهم وهلاك عدوهم، وفيما واعد موسى صلوات الله عليه من المناجاة بجانب الطور، وكتب التوراة في الألواح. وإنما عدّى المواعدة إليهم لأنها لابستهم واتصلت بهم حيث كانت لنبيهم ونقبائهم، وإليهم رجعت منافعها التي قام بها دينهم وشرعهم، وفيما أفاض عليهم من سائر نعمه وأرزاقه {ولا تطغوا فيه} طغيانهم في النعمة: أن يتعدّوا حدود الله فيها بأن يكفروها ويشغلهم اللهو والتنعم عن القيام بشكرها، وأن ينفقوها في المعاصي: وأن يزووا حقوق الفقراء فيها، وأن يسرفوا في إنفاقها وأن يبطروا فيها ويأشروا ويتكبروا. قرئ {فَيَحِلَّ} وعن عبد الله {لا يحلن} {وَمَن يَحْلِلْ} المكسور في معنى الوجوب، من حل الدّين يحل إذا وجب أداؤه. ومنه قوله تعالى: {حتى يَبْلُغَ الهدى مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] والمضموم في معنى النزول. وغضب الله: عقوباته ولذلك وصف بالنزول {هوى} هلك. وأصله أن يسقط من جبل فيهلك.قالت:ويقولون: هوت أمّه. أو سقط سقوطاً لا نهوض بعده. .تفسير الآية رقم (82): {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)}الاهتداء: هو الاستقامة والثبات على الهدى المذكور وهو التوبة والإيمان والعمل الصالح، ونحوه قوله تعالى: {إنّ الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا} [فصلت: 30] وكلمة التراخي دلت على تباين المنزلتين دلالتها على تباين الوقتين في (جاءني زيد ثم عمرو) أعني أنّ منزلة الاستقامة على الخير مباينة لمنزلة الخير نفسه؛ لأنها أعلى منها وأفضل..تفسير الآيات (83- 84): {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84)}{وَمَا أَعْجَلَكَ} أي شيء عجل بك عنهم على سبيل الإنكار، وكان قد مضى مع النقباء إلى الطور على الموعد المضروب. ثم تقدمهم شوقاً إلى كلام ربه وتنجز ما وعد به، بناء على اجتهاده وظنه أن ذلك أقرب إلى رضا الله تعالى. وزل عنه أنه عز وجل ما وقت أفعاله إلا نظراً إلى دواعي الحكمة، وعلماً بالمصالح المتعلقة بكل وقت، فالمراد بالقوم: النقباء. وليس لقول من جوّز أن يراد جميع قومه وأن يكون قد فارقهم قبل الميعاد وجه صحيح، يأباه قوله: {هُمْ أُوْلاء على أَثَرِى} وعن أبي عمرو ويعقوب {إثري} بالكسر وعن عيسى بن عمر {أُثرى} بالضم. وعنه أيضاً: {أولى} بالقصر. والإثر أفصح من الأثر. وأما الأثر فمسموع في فرند السيف مدوّن في الأصول يقال: إثر السيف وأثره، وهو بمعنى الأثر غريب.فإن قلت: {وَمَا أَعْجَلَكَ} سؤال عن سبب العجلة فكان الذي ينطبق عليه من الجواب أن يقال: طلب زيادة رضاك أو الشوق إلى كلامك وتنجز موعدك. وقوله: {هُمْ أُوْلاء على أَثَرِى} كما ترى غير منطبق عليه.قلت: قد تضمن ما واجهه به رب العزة شيئين، أحدهما: إنكار العجلة في نفسها.والثاني: السؤال عن سبب المستنكر والحامل عليه، فكان أهمّ الأمرين إلى موسى بسط العذر وتمهيد العلة في نفس ما أنكر عليه، فاعتلّ بأنه لم يوجد مني إلا تقدّم يسير، مثله لا يعتد به في العادة ولا يحتفل به. وليس بيني وبين من سبقته إلا مسافة قريبة يتقدّم بمثلها الوفد رأسهم ومقدمهم، ثم عقبه بجواب السؤال عن السبب فقال: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبّ لترضى} ولقائل أن يقول: حار لما ورد عليه من التهيب لعتاب الله، فأذهله ذلك عن الجواب المنطبق المرتب على حدود الكلام..تفسير الآية رقم (85): {قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85)}أراد بالقوم المفتونين: الذي خلفهم مع هارون وكانوا ستمائة ألف مانجا من عبادة العجل منهم إلا اثنا عشر ألفاً.فإن قلت: في القصة أنهم أقاموا بعد مفارقته عشرين ليلة، وحسبوها أربعين مع أيامها، وقالوا: قد أكملنا العدة، ثم كان أمر العجل بعد ذلك، فكيف التوفيق بين هذا وبين قوله تعالى لموسى عند مقدمه {فإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ}؟ قلت: قد أخبر الله تعالى عن الفتنة المترقبة. بلفظ الموجودة الكائنة على عادته. أو افترص السامري غيبته فعزم على إضلالهم غبَّ انطلاقه، وأخذ في تدبير ذلك. فكان بدء الفتنة موجوداً. قرئ: {وَأَضَلُّهُمُ السَّامِرِيُّ} أي هو أشدّهم ضلالاً: لأنه ضال مضل، وهو منسوب إلى قبيلة من بني إسرائيل يقال لها السامرة. وقيل: السامرة قوم من اليهود يخالفونهم في بعض دينهم: وقيل كان من أهل باجرما. وقيل: كان علجاً من كرمان. واسمه موسى بن ظفر، وكان منافقاً قد أظهر الإسلام، وكان من قوم يعبدون البقر..تفسير الآيات (86- 88): {فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88)}الأسف: الشديد الغضب. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام في موت الفجأة: «رحمة للمؤمن وأخذة أسف للكافر» وقيل: الحزين.فإن قلت: متى رجع إلى قومه؟ قلت: بعد ما استوفى الأربعين: ذا القعدة وعشر ذي الحجة. وعدهم الله سبحانه أن يعطيهم التوراة التي فيها هدى ونور، ولا وعد أحسن من ذاك وأجمل، حكي لنا أنها كانت ألف سورة كل سورة ألف آية، يحمل أسفارها سبعون جملاً {العهد} الزمان، يريد: مدة مفارقته لهم. يقال: طال عهدي بك، أي: طال زماني بسبب مفارقتك. وعدوه أن يقيموا على أمره وما تركهم عليه من الإيمان، فأخلفوا موعده بعبادتهم العجل {بِمَلْكِنَا} قرئ بالحركات الثلاث، أي: ما أخلفنا موعدك بأن ملكنا أمرنا، أي: لو ملكنا أمرنا وخلينا وراءنا لما أخلفناه، ولكنا غلبنا من جهة السامري وكيده. أي: حملنا أحمالاً من حليّ القبط التي استعرناها منهم. أو أرادوا بالأوزار: أنها آثام وتبعات، لأنهم كانوا معهم في حكم المستأمنين في دار الحرب. وليس للمستأمن أن يأخذ مال الحربي، على أن الغنائم لم تكن تحل حينئذ {فَقَذَفْنَاهَا} في نار السامري، التي أوقدها من الحفرة وأمرنا أن نطرح فيها الحلي وقرئ: {حملنا} {فَكَذَلِكَ أَلْقَى السامرى} أراهم أنه يلقي حلياً في يده مثل ما ألقوا. وإنما ألقى التربة التي أخذها من موطيء حيزوم فرس جبريل. أوحى إليه وليه الشيطان أنها إذا خالطت مواتا صار حيواناً {فَأَخْرَجَ لَهُمْ} السامري من الحفرة عجلاً خلقه الله من الحليّ التي سبكتها النار يخور كما تخور العجاجيل.فإن قلت: كيف أثرت تلك التربة في إحياء الموات؟ قلت: أما يصحّ أن يؤثر الله سبحانه روح القدس بهده الكرامة الخاصة كما آثره بغيرها من الكرامات. وهي أن يباشر فرسه بحافره تربة إذا لاقت تلك التربة جماداً أنشأه الله إن شاء عند مباشرته حيواناً ألا ترى كيف أنشأ المسيح من غير أب عند نفخه في الدرع.فإن قلت: فلم خلق الله العجل من الحليّ حتى صار فتنة لبني إسرائيل وضلالاً؟ قلت: ليس بأوّل محنة محن الله بها عباده ليثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين. ومن عجب من خلق العجل، فليكن من خلق إبليس أعجب. والمراد بقوله: {فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ} هو خلق العجل للامتحان، أي: امتحناهم بخلق العجل وحملهم السامري على الضلال، وأوقعهم فيه حين قال لهم: {هذا إلهكم وإله موسى فَنَسِىَ} أي: فنسي موسى أن يطلبه ههنا، وذهب يطلبه عند الطور. أو فنسي السامري: أي ترك ما كان عليه من الإيمان الظاهر.
|